الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
قال أبو محمد : كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَكُلُّ مَا أَنَفَذُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ : كَانَ كُلُّ ذَلِكَ لِوَارِثٍ , أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ , أَوْ إقْرَارٍ بِوَارِثٍ , أَوْ عِتْقٍ أَوْ قَضَاءِ بَعْضِ غَرَائِمِهِ دُونَ بَعْضٍ كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَكُلُّهُ نَافِذٌ مِنْ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ , كَمَا قَدَّمْنَا فِي الأَصِحَّاءِ الآمِنِينَ الْمُقِيمِينَ , وَلاَ فَرْقَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً , وَوَصَايَاهُمْ كَوَصَايَا الأَصِحَّاءِ ، وَلاَ فَرْقَ. برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} وَحَضُّهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِحْلاَلُهُ الْبَيْعَ وَقَوْله تَعَالَى : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ قَالَ : يُعْتَقُ ثُلُثُهُ وبه إلى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ جَارِيَةً لَيْسَ لَهَا مَالٌ غَيْرُهَا , فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : تَسْعَى فِي ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً فِي مَرَضِهِ فَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ , فَجَاءَ الَّذِينَ بَاعُوهَا يَطْلُبُونَ ثَمَنَهَا , فَلَمْ يَجِدُوا لَهَا مَالاً , فَرَفَعُوا ذَلِكَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهَا : اسْعَيْ فِي ثَمَنِك. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ : يُعْتَقُ وَيَسْعَى فِي الْقِيمَةِ. وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ , وَعَلَيْهِ دَيْنٌ , فَإِنَّهُ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي ثَمَنِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ اسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ ثَمَنِهِ وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ مَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ ثُلُثَ عَبْدٍ لَهُ أُقِيمَ فِي ثُلُثِهِ وَعَتَقَ كُلُّهُ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ مَنْ أَعْتَقَ وَلَدَ عَبْدِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ نَفَذَ وَاسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا : مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ , وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ , فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ قِيمَةَ عَدْلٍ , ثُمَّ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ , لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ , أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ , وَيَسْتَسْعِي فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَعَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا وَعَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا , وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَقَوْلٌ آخَرُ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ , وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ : إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُعْتَقِ دَيْنٌ أُعْتِقَ الثُّلُثُ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ , فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُعْتَقِ بِيعَ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَمَا سِوَاهُ , فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَتْ السِّعَايَةُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ : سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ غُلاَمٌ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ سَعِيدٌ : إنَّمَا لَهُ ثُلُثُهُ ; فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ قِيمَتَهُ , فَيُسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ , فَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ يَوْمٌ وَلَهُمْ يَوْمَانِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ , وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنُ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : أَدْرَكْت مَوْلًى لِسَعِيدِ بْنِ بَكْرٍ أَعْتَقَ ثُلُثَ رَقِيقٍ لَهُ نَحْوَ عِشْرِينَ , فَرَفَعَ أَمْرَهُمْ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ , فَقَسَّمَهُمْ أَثْلاَثًا , فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَهُمْ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَتْقُ ثُلُثِهِمْ بِالْقُرْعَةِ وَالْقِيمَةِ. وَعَنْ مَكْحُولٍ عِتْقُ ثُلُثِهِمْ بِالْقُرْعَةِ بِالْعَدَدِ دُونَ تَقْوِيمٍ وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي الْعِتْقِ أَقَلُّهُمْ قِيمَةً أَوْ أَكْثَرُهُمْ يَنْفُذُ عِتْقُهُ. فَهَذِهِ أَقْوَالُ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ : فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْقُرْعَةَ أَصْلاً , وَلاَ الْإِرْقَاقَ , لَكِنْ يُعْتَقُ الثُّلُثُ بِلاَ اسْتِسْعَاءٍ , وَيُعْتَقُ الثُّلُثَانِ بِالأَسْتِسْعَاءِ. وقال مالك : إنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ بَتًّا أَعْتَقَ الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ وَالْقِيمَةِ , وَرَقَّ الثُّلُثَانِ , سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَعْتَقَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ بِأَسْمَائِهِمْ وقال الشافعي : مَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ عَبِيدًا لَهُ بَتْلاً وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا : أَعْتَقَ مَنْ سَمَّى أَوَّلاً فَأَوَّلاً , فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ بِالْقِيمَةِ رَقَّ الْبَاقُونَ , وَإِنْ شَرَعَ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ كَانَ بَاقِيهِ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُمْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قُوِّمُوا , ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ الثُّلُثُ وَرَقَّ الثُّلُثَانِ , كَمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا فَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ. وَأَمَّا مَا سِوَى الْعِتْقِ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَهُوَ مَرِيضٌ قَالَ : هُوَ فِي الثُّلُثِ وَإِنْ مَكَثَ عَشْرَ سِنِينَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ : وَكَانَ يَرَى مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا وَصِيَّةً مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ , وَجَرِيرٌ , كِلاَهُمَا عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ , قَالَ جَرِيرٌ فِي رِوَايَتِهِ : إذَا أَعْطَى الرَّجُلُ الْعَطِيَّةَ حِينَ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِلسَّفَرِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مِنْ السَّفَرِ , وَقَالَ هُشَيْمٌ فِي رِوَايَتِهِ : إذَا وَضَعَ الْمُسَافِرُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ فَمَا صَنَعَ فِي شَيْءٍ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي عَطَاءٌ : مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ. قُلْت لِعَطَاءٍ : أَرَأْيٌ أَمْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ قَالَ : بَلْ سَمِعْنَاهُ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ , وَقَالَ مَعْمَرٌ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ : مَا أَعْطَتْ الْحَامِلُ فَثُلُثُهُ لِزَوْجِهَا , أَوْ لِبَعْضِ مَنْ يَرِثُهَا فِي غَيْرِ الثُّلُثِ , وَذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً. وبه إلى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ جَابِرٌ : لِلْحَامِلِ مَا أَعْطَتْ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا. قَالَ يُونُسُ : وَقَالَ رَبِيعَةُ : يَجُوزُ عَطَاؤُهَا مَا لَمْ تَثْقُلْ أَوْ يَحْضُرْهَا نِفَاسٌ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَابْنِ حُجَيْرَةَ الْخَوْلاَنِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي مَسْجُونٍ فِي قَتْلٍ أَوْ فِي جُرْحٍ أَوْ خَرَجَ إلَى صَفٍّ أَوْ يُعَذَّبُ. أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ مَا يَجُوزُ لِلْمُوصِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ عَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ : الْحَامِلُ إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ فَوَصِيَّتُهَا يَعْنِي أَنَّ فِعْلَهَا مِنْ الثُّلُثِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ , وَمَكْحُولٍ : أَنَّ فِعْلَ الْحَامِلِ مِنْ رَأْسِ مَالِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا أَعْطَاهُ الْغَازِي فَمِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ : مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَا لَمْ تَقَعْ الْمُسَايَفَةُ. وَعَنْ الْحَسَنِ فِي الْمَحْبُوسِ : أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ , وَمَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ الطَّاعُونُ : إنَّ عَطِيَّتَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ كَذَلِكَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ مَا لَمْ يَهِجْ الْبَحْرُ. فَهَذِهِ أَقْوَالُ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ. أَمَّا فِي الْعِتْقِ فَرُوِيَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ , وَعَطَاءٍ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ , وَالنَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ وَشُرَيْحٍ , وَالْحَسَنِ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا غَيْرُ الْعِتْقِ فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُسَافِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَفِي الْغَازِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَخَالَفَهُمَا إبْرَاهِيمُ , وَمَكْحُولٌ مَا لَمْ تَقَعْ الْمُسَايَفَةُ. وَفِي الْمَرِيضِ عَنْ الشَّعْبِيِّ , وَفِي الْحَامِلِ عَنْ عَطَاءٍ , وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ , وَعِكْرِمَةَ وَخَالَفَهُمْ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , وَمَكْحُولٌ , وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ : إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَابْنِ حُجَيْرَةَ. وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ مَا لَمْ تَثْقُلْ , وَفِي الْمَسْجُونِ عَنْ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَخَالَفَهُمَا إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , وَعَنْ مَكْحُولٍ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ إذَا هَالَ الْبَحْرُ. وَرُوِيَ خِلاَفُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِي مَنَامِهَا فِيمَا يَرَى النَّائِمُ : أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَقْبَلَتْ عَلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَتَعَلَّمَتْهُ , وَشَذَّبَتْ مَالَهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ , فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَخَلَتْ عَلَى جَارَاتِهَا فَجَعَلَتْ تَقُولُ : يَا فُلاَنَةُ اسْتَوْدَعْتُك اللَّهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْك السَّلاَمَ فَجَعَلْنَ يَقُلْنَ لَهَا : لاَ تَمُوتِينَ الْيَوْمَ , لاَ تَمُوتِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ فَسَأَلَ زَوْجُهَا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : أَيُّ امْرَأَةٍ كَانَتْ امْرَأَتُك قَالَ : مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَحْرَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مِنْهَا إِلاَّ الشَّهِيدَ , وَلَكِنَّهَا فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَالَ أَبُو مُوسَى : هِيَ كَمَا تَقُولُ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَبُو مُوسَى. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ : أَنَّ رَجُلاً رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ : أَنَّهُ يَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , فَطَلَّقَ نِسَاءَهُ تَطْلِيقَةً تَطْلِيقَةً , وَقَسَّمَ مَالَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَجَاءَك الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِك فَأَخْبَرَك أَنَّك تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , فَطَلَّقْت نِسَاءَك وَقَسَمْت مَالَك رُدَّهُ وَلَوْ مِتّ لَرَجَمْت قَبْرَك كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالَ فَرَدَّ مَالَهُ وَنِسَاءَهُ , وَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَا أَرَاك تَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيرًا قَالَ : فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِلَّهِ فِي مَرَضِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ قَالَ مَسْرُوقٌ : أُجِيزُهُ , شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى , لاَ أَرُدُّهُ , وَقَالَ شُرَيْحٌ : أُجِيزُ ثُلُثَهُ وَاسْتَسْعِيهِ فِي ثُلُثَيْهِ , قَالَ الشَّعْبِيُّ : قَوْلُ مَسْرُوقٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْفُتْيَا , وَقَوْلُ شُرَيْحٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْقَضَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ كُلِّهِ قَالَ إذَا وَضَعَهُ فِي حَقٍّ فَلاَ أَحَدَ أَحَقَّ بِمَالِهِ مِنْهُ , وَإِذَا أَعْطَى الْوَرَثَةَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ الثُّلُثُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ طَعَنَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَالَ : إذَا أَبْرَأَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَرَضِهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَهُوَ جَائِزٌ , وَقَالَ سُفْيَانُ : لاَ يَجُوزُ. قال أبو محمد : فَهَذَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ يُجِيزُ فِعْلَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ فِي أَشَدِّ حَالٍ مِنْ الْمَرِيضِ هِيَ أَيْضًا ذَاتُ زَوْجٍ غَيْرِ رَاضٍ بِمَا فَعَلَتْ فِي مَالِهَا كُلِّهِ. وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَدَّ فِعْلَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يُجِزْ مِثْلَهُ لاَ ثُلُثًا ، وَلاَ غَيْرَهُ وَهَذَا مَسْرُوقٌ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ يُنَفِّذُ مَا فَعَلَهُ الْمَرِيضُ فِي مَالِهِ كُلِّهِ مُتَقَرِّبًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَمَالَ إلَيْهِ الشَّعْبِيُّ فِي الْفُتْيَا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ جَوَازُ فِعْلِ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ : فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ غُرَمَاءَهُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَأَمَّا مُحَابَاتُهُ فِي الْبَيْعِ , وَهِبَتُهُ , وَصَدَقَتُهُ , وَعِتْقُهُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ إِلاَّ أَنَّ الْمُعْتَقَ يُسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ , قَالَ : فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ : جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَالَ : وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إذَا ضَرَبَهَا وَجَعُ الطَّلْقِ وَمَا لَمْ يَضْرِبْهَا : فَكَالصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهَا , وَالْوَاقِفُ فِي الصَّفِّ فَكَالصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ قُتِلَ أَوْ عَاشَ , قَالَ : وَاَلَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ فِي زِنًى كَالْمَرِيضِ لاَ يَجُوزُ فِعْلُهُ إِلاَّ فِي الثُّلُثِ قَالَ : فَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ , وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ لَمْ يَرِثْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : بَلْ يَرِثُهُ إِلاَّ أَنَّهُ يَسْعَى فِيمَا يَقَعُ مِنْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُونَهُ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ : إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ الْمُخِيفِ , كَحُمَّى الصَّالِبِ , وَالْبِرْسَامِ , وَالْبَطْنِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْجُذَامُ , وَحُمَّى الرُّبْعِ , وَالسُّلُّ , وَمَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي مَرَضِهِ فَأَفْعَالُهُ كَالصَّحِيحِ. وقال مالك : لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ. قَالُوا : وَالْحَامِلُ مَا لَمْ تَتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَكَالصَّحِيحِ , فَإِذَا أَتَمَّتْهَا , فَأَفْعَالُهَا فِي مَالِهَا مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. قَالَ : وَالْمَرِيضُ , وَالزَّاحِفُ فِي الْقِتَالِ صَدَقَتُهُمَا , وَمُحَابَاتُهُمَا فِي الْبَيْعِ وَهِبَتُهُمَا , وَعِتْقُهُمَا فِي الثُّلُثِ وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ وَفِي صِفَةِ الْمَرَضِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءً سَوَاءً. وقال الشافعي , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ غُرَمَاءَهُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَقَالاَ جَمِيعًا فِي الْحَامِلِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وقال الشافعي , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ فِي أَفْعَالِ الْمَرِيضِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَكَذَلِكَ فِي صِفَةِ الْمَرِيضِ. وَقَالَ فِي الأَسِيرِ يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ , وَالْمُقْتَحِمِ فِي الْقِتَالِ , وَمَنْ كَانَ فِي أَيْدِي قَوْمٍ يَقْتُلُونَ الأَسْرَى مَرَّةً أَنَّهُمْ كَالْمَرِيضِ , وَمَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُمْ كَالصَّحِيحِ , إذْ قَدْ يَسْلَمُونَ مِنْ الْقَتْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَالثَّوْرِيُّ : إذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ فَأَفْعَالُهُمْ كَالْمَرِيضِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ , وَأَحْمَدُ , وَإِسْحَاقُ : أَفْعَالُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : أَفْعَالُ الْمَرِيضِ كُلُّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ كَالصَّحِيحِ , وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ , وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا حَاشَ عِتْقِ الْمَرِيضِ وَحْدَهُ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ أَفَاقَ أَوْ مَاتَ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ : فِيمَنْ يَشْتَرِي ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ فَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ لأََحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَهُمَا , بَلْ قَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : إنَّهُ يُشْتَرَى مِنْ مَالِ أَبِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ , وَيَرِثُ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَإِنَّ فِي قَوْلِهِمَا هَذَا لاَُعْجُوبَةً , لأََنَّهُ لاَ يَخْلُو شِرَاؤُهُ لأَبْنِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ لاَ يَكُونَ وَصِيَّةً , فَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً فَلاَ يَجِبُ أَنْ يَرِثَ أَصْلاً حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ ; لأََنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ , وَإِنْ كَانَ لَيْسَ وَصِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَإِنَّ قَوْلَهُمَا هَاهُنَا لَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ , وَاللَّيْثِ فِي الْحَامِلِ فَقَوْلٌ أَيْضًا لاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فَقُلْنَا : يَا هَؤُلاَءِ , وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ الْإِثْقَالَ هُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ إثْقَالٌ , لاَ مَا قَبْلَهُ , فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مَنْعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَالِهَا إذَا أَثْقَلَتْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الأَمْرَاضِ , فَإِنَّهُ لاَ يُعْرَفُ عَنْ صَاحِبٍ ، وَلاَ تَابِعٍ أَصْلاً , وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ , فَحَصَلَ قَوْلُهُمْ لاَ حُجَّةَ لَهُ أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ نَظَرٍ , وَلَوْ أَنَّ امْرَأً ادَّعَى عَلَيْهِمْ خِلاَفَ إجْمَاعِ كُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الصِّدْقِ مِنْ دَعْوَاهُمْ خِلاَفَ الْإِجْمَاعِ فِيمَا قَدْ صَحَّ فِيهِ الْخِلاَفُ , كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ مَسْرُوقٍ , وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً , إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ. . فَقُلْنَا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لأََنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ الصَّحِيحِ , وَالْمَرِيضِ سَوَاءٌ : لاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِي الثُّلُثِ , فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا مِنْ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ سَوَاءً , فَهَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ. وَقَالُوا : نَتَّهِمُهُ بِالْفِرَارِ بِمَالِهِ عَنْ الْوَرَثَةِ. . فَقُلْنَا : الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ , وَلَعَلَّهُ يَمُوتُ الْوَارِثُ قَبْلَهُ فَيَرِثُهُ الْمَرِيضُ فَهَذَا مُمْكِنٌ وَأَيْضًا : فَإِذْ لَيْسَ إِلاَّ التُّهْمَةُ فَامْنَعُوا الصَّحِيحَ أَيْضًا مِنْ أَكْثَرِ ثُلُثِ مَالِهِ , وَاتَّهِمُوهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَفِرُّ بِمَالِهِ عَنْ وَرَثَتِهِ , فَجَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ وَيَرِثُوهُ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَرِيضِ , وَجَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ الْوَارِثُ فَيَرِثَهُ الْمَرِيضُ كَمَا يَرِثُهُ الصَّحِيحُ ، وَلاَ فَرْقَ , وَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ يَمُوتُ قَبْلَ مَرِيضٍ. وَأَيْضًا : فَاتَّهِمُوا الشَّيْخَ الَّذِي قَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ وَامْنَعُوهُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لِئَلَّا يَفِرَّ بِمَالِهِ عَنْ وَرَثَتِهِ. فَإِنْ قُلْتُمْ : قَدْ يَعِيشُ أَعْوَامًا قلنا : وَقَدْ يَبْرَأُ الْمَرِيضُ فَيَعِيشُ عَشَرَاتِ أَعْوَامٍ , وَإِذْ لَيْسَ إِلاَّ التُّهْمَةُ , فَلاَ تَتَّهِمُوا مَنْ يَرِثُهُ وَلَدُهُ فَاجْعَلُوا فِعْلَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ , وَاتَّهِمُوا مَنْ يَرِثُهُ عَصَبَتُهُ فَلاَ تُطْلِقُوا لَهُ الثُّلُثَ. فَإِنْ قَالُوا : هَذَا خِلاَفُ النَّصِّ قلنا : وَفِعْلُكُمْ خِلاَفُ النَّصِّ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يُحِبُّهُ الْمَرْءُ مِنْ مَالِهِ , قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى : فَإِنْ قَالُوا : قَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ : أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى لاَ أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ : لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا , أَلاَ وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ . قلنا : نَعَمْ , هَذَا حَقٌّ صَحِيحٌ , وَإِنَّمَا فِيهِ تَفَاضُلُ الصَّدَقَةِ فَقَطْ , وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ مَرَضٍ , وَأَيْقَنَ بِالْمَوْتِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَصْلاً , لاَ بِنَصٍّ , وَلاَ بِدَلِيلٍ , وَلاَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. قال أبو محمد : ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَنْ مَالِ الْمَرِيضِ لِمَنْ أَلَهُ أَمْ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ قَالُوا : بَلْ لَهُ كَمَا هُوَ لِلصَّحِيحِ. قلنا : فَلِمَ تَمْنَعُونَهُ مَالَهُ دُونَ أَنْ تَمْنَعُوا الصَّحِيحَ , وَهَذَا ظُلْمٌ ظَاهِرٌ. وَلَوْ قَالُوا : بَلْ هُوَ لِلْوَرَثَةِ. لَقَالُوا الْبَاطِلَ ; لأََنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا لَقُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ , وَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْمَرِيضِ لَحُدَّ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا حَلَّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ هُوَ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَرَثَةِ. وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَطْلَقُوا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ , وَيَلْبَسَ مَا شَاءَ ; وَيُنْفِقَ عَلَى مَنْ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ. وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ , وَمَنَعُوهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً وَتَعَرِّيهِ عَنْ أَنْ يُوجَدَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَإِنَّمَا وُجِدَ عَنْ نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفِينَ , وَقَدْ خَالَفُوا بَعْضَهُمْ فِي قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ , كَخِلاَفِهِمْ لِلشَّعْبِيِّ فِي فِعْلِ الْمُسَافِرِ فِي مَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , عَلَى أَنَّ الشَّعْبِيَّ أَقْوَى حُجَّةً مِنْهُمْ , لأََنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ. وَرُوِيَ أَيْضًا الْمُسَافِرُ وَرَحْلُهُ عَلَى قَلَتٍ إِلاَّ مَا وَقَى اللَّهُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَوَجَدْنَاهُمْ يُشَنِّعُونَ بِآثَارٍ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : مِنْهَا الأَثَرُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ فِي بَابِ تَبْدِئَةِ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ لاَ أَعْرِفَنَّ أَحَدًا بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُدَغْدِغُ مَالَهُ هَاهُنَا وَهَا هُنَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِالْحَقِّ فِي الْمَالِ. وَمِنْهَا : مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ مَوْتِكُمْ رَحْمَةً لَكُمْ وَزِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ وَحَسَنَاتِكُمْ). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِالثُّلُثِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ : سَمِعْت " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (جَعَلْتُ لَكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ). وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى : جَعَلْتُ لَكَ طَائِفَةً مِنْ مَالِكَ عِنْدَ مَوْتِكَ أَرْحَمُكَ بِهِ ". قال أبو محمد : وَهَذَا كُلُّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَصْلاً : أَمَّا خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ : فَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الشَّامِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ : فَمِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَالآخَرَانِ مُرْسَلاَنِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهَا مُتَعَلِّقٌ أَصْلاً , لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا عِنْدَ مَوْتِنَا ثُلُثَ أَمْوَالِنَا , وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ الْوَصِيَّةُ الَّتِي لاَ تُنَفَّذُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ عِنْدَ الْمَوْتِ , وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ ذِكْرٌ لِلْمَرَضِ أَصْلاً , لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ , فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَا. وَنَسْأَلُهُمْ : عَمَّنْ تَصَدَّقَ بِثُلُثَيْ مَالِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَاتَ بَغْتَةً إثْرَ ذَلِكَ. أَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَ مَمَالِيكِهِ كَذَلِكَ أَيْضًا فَمِنْ قَوْلِهِمْ : أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. فَنَقُولُ لَهُمْ : قَدْ خَالَفْتُمْ جَمِيعَ هَذِهِ الآثَارِ لأََنَّ هَذَا فِعْلُ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ عِنْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الآثَارِ الْمَذْكُورَةِ , وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الآثَارِ أَنَّهُ أَيْقَنَ بِأَنَّهُ يَمُوتُ إذَا أَعْتَقَ أَعْبُدَهُ , إنَّمَا فِيهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ فَظَهَرَ خِلاَفُهُمْ لِلآثَارِ كُلِّهَا. وَمِنْهَا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ , قُلْت : فَالشَّطْرُ قَالَ : لاَ , ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام : الثُّلُثُ , وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك أَنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِسَعْدٍ يَوْمَئِذٍ وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلِّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ. [ وَرَوَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ ] وَبِلَفْظَةِ " الصَّدَقَةِ " فَقَالُوا : فَقَدْ مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّدَقَةِ فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ (قَالَ سَعْدٌ : فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ : لاَ , قُلْتُ : فَبِشَطْرِ مَالِي قَالَ : لاَ , قُلْتُ : فَبِثُلُثِ مَالِي قَالَ : الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ قَالَ : ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ , كِلاَهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ , وَفِيهِ (قَالَ : قُلْتُ : أَفَأَتَصَدَّقُ بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ : لاَ , قُلْتُ : أَفَأُوصِي بِالشَّطْرِ قَالَ : لاَ , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَ أُوصِي قَالَ : الثُّلُثُ : وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) وَذَكَرَ الْخَبَرَ , فَذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ سَعْدٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ عَنْ مَقَامٍ وَاحِدٍ فَصَحَّ أَنَّ لَفْظَةَ " الصَّدَقَةِ " الَّتِي رَوَاهَا : مَالِكٌ , وَسُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إنَّمَا مَعْنَاهَا الْوَصِيَّةُ. كَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ وَمَعْمَرٌ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ دُون مَالِكٍ وَسُفْيَانَ , وَالزُّهْرِيِّ , وَغَيْرُهُ , فَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَ مَعْمَرٌ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَلَى لَفْظَةِ " أُوصِي " وَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَمَاعَةُ الْإِثْبَاتِ. كَمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَعَنْ مُسْلِمٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ , كُلِّهِمْ عَنْ سَعْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , كُلُّهُمْ يَذْكُرُ نَصًّا : أَنَّ سَعْدًا إنَّمَا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُوصِي بِهِ. وَالْوَجْهُ الآخَرُ : أَنَّهُمْ إنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ صَاحِبُهُ , لاَ الَّذِي يَبْرَأُ مِنْهُ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ سَعْدًا سَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ " قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَتَّى إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَخْبَرَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ. قال أبو محمد : وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ هُوَ هَزَمَ عَسَاكِرَ الْفُرْسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَافْتَتَحَ مَدِينَةِ كِسْرَى فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عليه الصلاة والسلام بَلْ مِنْ أَكْبَرِ ذَلِكَ وَأَهَمِّهِ وَأَعَمِّهِ فَتْحًا فِي الإِسْلاَمِ. وَهَذَا قَدْ أَنْذَرَ بِهِ عليه السلام فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ إذْ قَالَ لَهُ : لَعَلَّك سَتُخَلِّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِي نَصِّ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا الآنَ إسْنَادُهُ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَوْمَئِذٍ : إنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ. قال علي : وهذا كُلُّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ , وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَرِيضِ مَاتَ أَوْ عَاشَ فَثَبَتَ يَقِينًا ضَرُورِيًّا : أَنَّ صَدَقَةَ الْمَرِيضِ خَارِجَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ , لاَ مِنْ ثُلُثِهِ بِنَصِّ حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَطَلَ مَا خَالَفَ هَذَا بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ , وَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , وَأَوْضَحَ حُجَّةً لِقَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْلِهِ عَائِشَةَ رضي الله عنهما فَإِيرَادُهُمْ إيَّاهُ فَضِيحَةُ الدَّهْرِ , لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ هِبَةِ الْمَرِيضِ ذِكْرٌ أَصْلاً , لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ , وَإِنَّمَا كَانَ نَحَلَهَا ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ وَتَأَخَّرَ جِدَادُهَا لِذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ رضي الله عنه فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَغِبَ إلَيْهَا فِي رَدِّ تِلْكَ النِّحْلَةِ بِرِضَاهَا. فَكَيْفَ وَإِنَّمَا كَانَ وَعْدًا بِمَجْهُولٍ لاَ يُدْرَى مِنْ كَمْ مِنْ نَخْلَةٍ تَجِدُ الْعِشْرِينَ وَسْقًا , وَلاَ مِنْ أَيِّ تِلْكَ النَّخْلِ تَجِدُ فَسَقَطَتْ الأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا , وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ : أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ , إِلاَّ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ : فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا. فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الصَّحِيحَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , كِلاَهُمَا : عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا , ثُمَّ دَعَاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ , فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ , وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ , وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ , وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ , كُلِّهِمْ : عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَسَمَاعُ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ صَحِيحٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال أبو محمد : . فَقُلْنَا : هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْحَنَفِيِّينَ , وَلاَ لِلْمَالِكِيِّينَ ، وَلاَ لِلشَّافِعِيِّينَ : الْحُجَّةُ بِهِ أَصْلاً , فِيمَا عَدَا الْعِتْقِ ; لأََنَّهُ قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ كُلُّهُ. كَمَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى بِهِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ خَاصَّةً : لاَ إلَى صَدَقَةٍ , وَلاَ إلَى إنْفَاقٍ , وَلاَ إلَى إصْدَاقٍ , وَلاَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ , لاَ سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ قَدْ خَالَفُوا نَصَّهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ , فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ أَثَرٌ , وَهَذَا عَارٌ جِدًّا. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا : فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ : أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ مَرِيضًا , وَإِنَّمَا فِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ يَفْجَأُ الْمَوْتُ الصَّحِيحَ فَيُوقِنُ بِهِ , فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَرَضِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَيْضًا : فَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ هَذَا الْعِتْقَ لِلسِّتَّةِ الأَعْبُدِ إنَّمَا كَانَ وَصِيَّةً : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ , وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ : هُوَ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخَبَرَ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ , وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا حَقًّا , فَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ عِتْقٌ فِي عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ , يُنَفَّذُ مِنْ ذَلِكَ الْعِتْقِ مَا وَقَعَ فِيمَنْ بِهِ عَنْهُ غِنًى , وَيَبْطُلُ فِي مِقْدَارِ مَا لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ. فَلَوْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً لَكَانَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَحَقَّ بِظَاهِرِهِ , وَأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام أَجَازَ لِلْمَرِيضِ ثُلُثَ مَالِهِ , إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا أَصْلاً. فَبَطَلَ تَعَلُّقُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً , وَصَحَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ السَّاقِطُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَ مِنْهُ الثُّلُثَ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ , فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَوْ صَحَّ كَالْقَوْلِ فِي خَبَرِ عِمْرَانَ , فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ , وَعَنْ مَجْهُولٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ فَبَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ لأََبِيهِ إذْ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ ابْنُهُ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ أَوْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ الْقَاسِمِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ : فَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ ثُمَّ هِيَ مُرْسَلَةٌ , لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، خِلاَفُ قَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|